top of page

نقد بعض التعليقات للدكتور سليمان الأشقر على كتاب "المستصفى" للإمام الغزالي

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على افضل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وعلى أصحابه الغر الميامين.

لما قررتُ أن أقدم بحثي للتخرج حول الفكر المقاصدي عند الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي – رحمه الله تعالى رحمة واسعة – أخذتُ في مطالعة كتبه من أجل جمع المعلومات اللازمة للبحث الذي كنت قد تصديتُ له وهو "الفكر المقاصدي عند الإمام الغزالي من خلال كتابه: إحياء علوم الدين".

ومن الكتُب التي قرأءتُـها من أجل استخراج تلك النظريات والإشارات المقاصدية، كان كتابه النفيس: "المستصفى".

فمن خلال قراءتي لكتاب "المستصفى" بتحقيق الدكتور محمد سليمان الأشقر – حفظه الله – استغربتُ من بعض التعليقات التي ذكرها الدكتور الاشقر في تحقيقه لكتاب الغزالي. منها تعليقه على بعض كلام الغزالي حول مسألة كلامية.

ونص الغزالي في كتابه هو الآتي: (مسألة: هل يجب شكر المنعم عقلا)

لا يجب شكر المنعم عقلا، خلافا للمعتزلة، ودليله أن لا معنى للواجب إلا ما أوجبه الله تعالى وأمر به وتوعد بالعقاب على تركه. فإذا لم يرد خطاب فأي معنى للوجوب؟

ثم تحقيق القول فيه أن العقل لا يخلو: إما أن يوجب ذلك لفائدة، أو لا لفائدة. ومحال أن يوجب لا لفائدة، فإن ذلك عبث وسفه. وإن كان لفائدة فلا يخلو إما أن ترجع إلى المعبود، وهو محال إذ يتعالى (الله) ويتقدس من الأغراض".

والدكتور الأشقر يعلق على هذا الكلام بقوله: "يرى (بعض العلماء، ومنهم الغزالي) أن الله تعالى لا يفعل شيئا لغرض، توهما منهم أن من يفعل لغرض، فإن ذلك لنقص فيه يريد استكماله. وبهذا ردوا كثيرا من التعليلات الواردة في الكتاب والسنة، وتأولوها على غير تأويلها)"

(المستصفى للإمام الغزالي – تحقيق الدكتور محمد سليمان الأشقر: 1-120، مؤسسة الرسالة، 1997م)

وانا – كما قلت – استغربتُ كثيرا من هذا الكلام، لان هناك فرقا معروفا بين كلام علماء الأصول وعلماء الكلام حول هذا الموضوع.

ذلك الفرق ذكره الدكتور سعيد رمضان البوطي قائلا: "قولهم (العلماء) في الأصول: أحكام الله مشروعة لمصالح العباد، وقولهم في علم الكلام: أفعال الله لا تُـعَــلل، غير واردين على مراد واحد لهم بالعلة. بقي الأمر الثاني الموهم للتناقض، هو ما اتفق عليه جميع القائلين بالقياس، من أن أحكام الله تعالى مشروعة لمصالح العباد، إذ أن هذا ينافي أن تكون العلل مجرد أمارات، ما دامت هذه العلل محكومة بالمصالح التي يقولون إنها أساس شرع الأحكام، وإذا فهو ينافي أيضا قولهم بأن أفعال الله تعالى لا يُـعَـلل". (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية: 96، للدكتور سعيد رمضان البوطي)

كما قلتُ، استغربتُ من كلام الدكتور الأشقر – حفظه الله – خاصة لما كان الغزالي أول من بسط القول في أهمية الاطلاع على حكَـم الشريعة ومعانيها. وهو أول من تكلم بتفصيل عن أسرار (أي المعاني والحكَـم) العبادات وأشار كذلك إلى بعض المعاني للمعاملات ولأحكام الله أخرى.

يقول الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين": (إن الطالب إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم ولا يكون عالما. ولذلك كان يقال: فلان من أوعية العلم. فلا يسمى عالما إذا كان شأنه الحفظ من غير اطلاع على الحكَـم والأسرار) (إحياء علوم الدين: 1 – 200)

ويقول في موضع آخر: "واعلم أن العالم لا يكون وارثا للنبي – صلى الله عليه وسلم – إلا إذا اطلع على جميع معاني الشريعة". (الإحياء: 3-20)

فكيف يقول الدكتور الأشقر إن بعض العلماء (ومنهم الغزالي) ردوا كثيرا من التعليلات الواردة في الكتاب والسنة؟! كيف والإمام الغزالي هو من قدم المادة العلمية التي أخذها الإمام الشاطبي – رحمه الله – لتأسيس علم مقاصد الشريعة؟! وقد ذكر الدكتور أحمد الريسوني – حفظه الله – في كتابه: "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" أن الإمام الشاطبي أخذ من الإمام الغزالي، وكثيرا ما يذكره في كتابه "الموافقات" ليستدل بكلام الغزالي على نظرياته.

279 visualizaciones
bottom of page